فصل: (سورة يوسف: آية 4)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أبو معشر عنه: لولا ما رأى بالقرآن من تعظيم الزنا وتحريمه، وزاد القرضي: بالقرآن وصحف إبراهيم عليه السلام.
ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} قال: حَلّ سراويله وقعد منها مقعد الرجل من امرأته وإذا بكفّ قد مُدّت فيما بينهما ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الإنفطار: 10-12].
قال: فقام هاربًا وقامت، فلمّا ذهب عنهما الرُعب عادت وعاد، فلمّا قعد منها مقعد الرجل من امرأته فإذا بكف قد مدّتْ فيما بينهما ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها: {واتقوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]، فقام هاربًا وقامت فلمّا ذهب عنهما الرُعب عادت وعاد، فلمّا قعد منها مقعد الرجل من امرأته، قال الله تعالى لجبريل عليه السلام: يا جبرئيل أدرك عبدي قبل أن يُصيب الخطيئة، فرأى جبريل عاضًّا على أصبعه أو كفّه وهو يقول: يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله في الأنبياء؟ فذلك قوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء والفحشاء}.
قتادة عن عطية عن وهب بن مُنبه، إنّه قال: لمّا همّ يوسف وامرأة العزيز بما همّا خرجت كفّ بلا جسد بينهما مكتوبٌ عليها بالعبرانية: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] ثُمّ انصرفت الكفّ وقاما مقامهما، ثُمّ رجعت الكفّ بينهما مكتوبٌ عليها بالعبرانية: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الإنفطار: 10-12]، ثمّ انصرفت الكفّ وقاما مقامهما، فعادت الكفّ بالعبرانية مكتوب عليها: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] فانصرفت الكفّ وقاما مقامهما، فعادت الكفّ رابعة مكتوبٌ عليها بالعبرانية: {واتقوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله} [البقرة: 281] فولّى يوسف هاربًا.
وروى عطية عن ابن عباس، أنّ البرهان الذي رآه يوسف أنّه أُرِيَ تمثال الملك، وروى عمر بن اسحاق عن بعض أهل العلم أنّه قطفير سيّده حين دنا من الباب في ذلك الحين، إنّه لما هرب منها واتّبعته ألفاه لدى الباب.
روى علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر الصادق ج قال: حدّثني أبي عن أبيه علي ابن الحسين، في قوله تعالى: {لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} قال: قامت امرأة العزيز إلى الصنم فاظلت دونه بثوب فقال لها يوسف: ما هذا؟ فقالت: أستحيي من الصنم أن يرانا، فقال يوسف: أتستحيين ممَّن لا يسمع ولا يُبصر ولا يفقه ولا يشهد ولا أستحيي ممّن خلق الأشياء وعلّمها؟
وقال جعفر بن محمد: البرهان النبوّة التي: أودع الله صدره هي التي حالت بينه وبين ما يسخط الله.
وقيل: هو ما آتاه الله من العلم والحكمة، وقال أهل الإشارة: إنّ المؤمن له بُرهان من ربّه في سرّه من معرفته فرأى ذلك البُرهان وهو زاجره.
فالبرهان الآية والحجّة، وجواب (لولا) محذوف تقديره لولا أن رأى برهان ربّه لزنا، وحقّق الهمّة الغريزية بهمّة الكسب، لقوله تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} [النور: 10] [النور: 20]: {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 10]: {وأَنّ اللهَ رَؤُوفٌ رَحِيْم} [النور: 20] مجازه لهلكتم، وقال امرؤ القيس:
فلو أنّها نفس تموت سوية ** ولكنّها نفسٌ تساقط أنفسنا

أراد بسقطت فنيت ولهان عليَّ، ونحوها.
قال الله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء} الإثم: {والفحشاء} الزنا.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} قرأ أهل مكّة والبصرة بكسر اللام أي المُخلِصين التوحيد والعبادة لله، وقرأ الآخرون بفتح اللام أي المختارين للنبوّة، دليلها قوله: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} [ص: 46]. وروى الزهري عن حمزة بن عبيدالله بن عمران بن عمر قال: قال: «لمّا اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم الألم الذي توفّي فيه، قال صلى الله عليه وسلم: يصلّي بالناس أبو بكر»، قالت عائشة: يا رسول الله إنّ أبا بكر رجل رقيق، وإنّه لا يملك نفسه حين يقرأ القُرآن، فَمُره عمر يصلّي بالناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يصلّي بالناس أبو بكر» فراجعته، فقال: «ليصلِّ بالناس أبو بكر فإنّكن صويحبات يوسف»، قالت عائشة: والله ما حملني في ذلك الأمر عليهم أن يكون أوّل رجل قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبدالله بن محمد بن شيبة قال: حدّثنا أبو حامد أحمد بن جعفر المستملي قال: حدّثنا بعض أصحابنا قال: قال جعفر بن سليمان: سمعتُ امرأة في بعض الطرق وهي تتكلّم ببعض الرفث فقلت لها [....] إنّكن صويحبات يوسف، فقالت له المرأة: واعجبًا نحنُ دعوناه إلى اللذّة، وأنتم أردتم قتله، فمن أصحابه نحن أو أنتم، وقتل النفس أعظم ممّا أردناه؟
{واستبقا الباب} وذلك أنّ يوسف لمّا رأى البُرهان قامَ مُبادرًا إلى باب البيت، هاربًا ممّا أرادته منه، واتبعته المرأة فذلك قوله تعالى.
{واستبقا الباب}: يعني بادر يوسف وراحيل إلى الباب، أمّا يوسف ففرارًا من ركوب الفاحشة، وأمّا المرأة فطلبها ليوسف لتقضي حاجتها أيّ راودته عليها، فأدركته فتعلّقت بقميصه من خلفه فجذبته إليها مانعة له من الخروج.
{وَقَدَّتْ} أي خرّقتْ وشقّت: {قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ}: من خلف لا من قُدّام، لأنّ يوسف كان الهارب والمرأة الطالبة، فلمّا خرجا: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الباب}، أي وجدا زوجها قطفير عند الباب جالسًا مع ابن عمّ لراحيل، فلمّا رأته هابته فقالت: سابقة بالقول لزوجها: {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا} يعني الزنا،: {إِلاَّ أَن يُسْجَنَ} يُحبس،: {أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني الضرب بالسياط، قاله ابن عباس.
{قَالَ} يُوْسِف: بل: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا}، اختلفوا في هذا الشاهد، قال سعيد بن جُبير وهلال بن يسار والضحّاك: كان صبيًّا في المهد أنطقه الله بقدرته.
وحدّثنا العوفي عن ابن عباس وشهر بن حوشب عن أبي هريرة، ويدلّ عليه ما روى عطاء ابن السائب عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تكلّم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب بن جُريج، وعيسى ابن مريم عليه السلام.».
وقيل: كان ذلك الصبيّ ابن خال المرأة، وقال الحسن: غلامه، قتادة والضحّاك ومجاهد برواية [...]: ما كان بصبي ولكنه كان رجلا حكيمًا ذا لحية، له رأي ومقال وآية، وهو رواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس، قال: وكان من خاصّة الملك. وقال السدي: هو ابن عمّ راحيل، وكان جالسًا مع زوجها على الباب فحُكِّم وأخبر الله تعالى عنه: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ} الآية.
قال عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إنّ الشاهد قميصه المقدود من دُبر، ومعنى شَهِد شاهد حَكم حاكم من أهلها، قال مجاهد: قال الشاهد: تبيان هذا الأمر في القميص.
{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ}، {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} أي قدام: {فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ} وخفّف ابن أبي إسحاق القُبل والدُبر وثقّلهما الآخرون وهما لغتان.
فجيء بالقميص فإذا هو قُدّ من دُبر، فلمّا رأى قطفير قميصه قُدّ من دُبر عرف خيانة امرأته وبراءة يوسف فَ: {قَالَ} لها: {إِنَّهُ} أي إنّ هذا الصنيع: {مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}، وقيل: إنّ هذا من قول الشاهد.
ثمّ أقبل قطفير على يوسف فقال: {يُوسُفُ} يعني يا يوسف، لفظ مفرد: {أَعْرِضْ عَنْ هذا} الحديث فلا تذكره لأحد، وقيل: معناه لا تكترث له فقد كان عفوك لبراءتك، ثمّ قال لامرأته: {واستغفري لِذَنبِكِ} وقيل: هو من الشاهد ليوسف والراحيل، وأراد بقوله: استغفري لذنبك، يقول: سلي زوجك ألاّ يعاقبكَ على ذنبك ويصفح عنك، وهذا معنى قول ابن عباس.
{إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين} من المذنبين حين راودت شابًّا عن نفسه وخُنتِ زوجك، فلمّا استعصم كذبت عليه، يقال خطأ يخطأ خطأً، وخِطأً، وخطًا وخِطاءً، إذا أذنب والاسم منه الخطيئة، قال الله تعالى: {إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31] وقال أُميّة:
عبادك يخطأون وأنتَ ربٌّ ** بكفّيك المنايا والحتومُ

أيّ يُذنبون؛ فإذا أرادوا التعمّد قيل: خَطأ خطأْ هنا لأنّ الفعل بالألف قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} [النساء: 92]، وإنّما قال: {مِنَ الخاطئين} ولم يقل: الخاطئات لأنّه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النساء، وإنّما قصد به الخبر عمّن يفعل ذلك، وتقديره: من القوم الخاطئين. ومثله قوله: {وَكَانَتْ مِنَ القانتين} [التحريم: 12]، بيانه قوله: إنّها كانت من قوم كافرين. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة يوسف:
مكية إلا الآيات 1 و2 و3 و7 فمدنية.
وهي مائة وإحدى عشرة آية.
نزلت بعد سورة هود.

.[سورة يوسف: الآيات 1- 3]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (3)}
{تِلْكَ} إشارة إلى آيات السورة. {والْكِتابِ الْمُبِينِ} السورة، أي تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة آيات السورة الظاهر أمرها في إعجاز العرب وتبكيتهم. أو التي تبين لمن تدبرها أنها من عند اللّه لا من عند البشر. أو الواضحة التي لا تشتبه على العرب معانيها لنزولها بلسانهم. أو قد أبين فيها ما سألت عنه اليهود من قصة يوسف. فقد روى أن علماء اليهود قالوا لكبراء المشركين: سلوا محمدًا لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر؟ وعن قصة يوسف {أَنْزَلْناهُ} أنزلنا هذا الكتاب الذي فيه قصة يوسف في حال كونه {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} وسمى بعض القرآن قرآنًا، لأنّ القرآن اسم جنس يقع على كله وبعضه {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} إرادة أن تفهموه وتحيطوا بمعانيه ولا يلتبس عليكم {وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ}. {الْقَصَصِ} على وجهين: يكون مصدرًا بمعنى الاقتصاص، تقول: قصّ الحديث يقصه قصصًا، كقولك: شله يشله شللا، إذا طرده. ويكون فعلا بمعنى مفعول كالنفض والحسب. ونحوه النبأ والخبر: في معنى المنبأ به والمخبر به. ويجوز أن يكون من تسمية المفعول بالمصدر، كالخلق والصيد.
وإن أريد المصدر، فمعناه: نحن نقص عليك أحسن القصص {بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ} أي بإيحائنا إليك هذه السورة، على أن يكون أحسن منصوبًا نصب المصدر، لإضافته إليه، ويكون المقصوص محذوفًا، لأنّ قوله: {بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ} مغن عنه. ويجوز أن ينتصب هذا القرآن بنقصّ، كأنه قيل: نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص هذا القرآن بإيحائنا إليك. والمراد بأحسن الاقتصاص: أنه اقتصّ على أبدع طريقة وأعجب أسلوب. ألا ترى أنّ هذا الحديث مقتص في كتب الأولين وفي كتب التواريخ، ولا ترى اقتصاصه في كتاب منها مقاربًا لاقتصاصه في القرآن. وإن أريد بالقصص المقصوص، فمعناه: نحن نقص عليك أحسن ما يقص من الأحاديث، وإنما كان أحسنه لما يتضمن من العبر والنكت والحكم والعجائب التي ليست في غيرها والظاهر أنه أحسن ما يقتص في بابه، كما يقال في الرجل: هو أعلم الناس وأفضلهم، يراد في فنه. فإن قلت: ممّ اشتقاق القصص؟ قلت: من قصّ أثره إذا اتبعه، لأنّ الذي يقصّ الحديث يتبع ما حفظ منه شيئًا فشيئًا، كما يقال: تلا القرآن، إذا قرأه، لأنه يتلو أي يتبع ما حفظ منه آية بعد آية {وَإِنْ كُنْتَ} إن مخففة من الثقيلة. واللام هي التي تفرق بينها وبين النافية. والضمير في قَبْلِهِ راجع إلى قوله: ما أوحينا. والمعنى: وإنّ الشأن والحديث كنت من قبل إيحائنا إليك من الغافلين عنه، أي: من الجاهلين به، ما كان لك فيه علم قط ولا طرق سمعك طرف منه.

.[سورة يوسف: آية 4]

{إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4)}
{إِذْ قالَ يُوسُفُ} بدل من أحسن القصص، وهو من بدل الاشتمال، لأن الوقت مشتمل على القصص وهو المقصوص، فإذا قصَّ وقته فقد قص. أو بإضمار اذكر ويوسف اسم عبراني، وقيل عربى وليس بصحيح، لأنه لو كان عربيًا لا نصرف لخلوّه عن سبب آخر سوى التعريف. فإن قلت: فما تقول فيمن قرأ {يوسف} بكسر السين، أو يوسف بفتحها، هل يجوز على قراءته أن يقال هو عربى لأنه على وزن المضارع المبنى للفاعل أو المفعول من آسف. وإنما منع الصرف للتعريف ووزن الفعل؟ قلت: لا، لأنّ القراءة المشهورة قامت بالشهادة، على أن الكلمة أعجمية، فلا تكون عربية تارة وأعجمية أخرى، ونحو يوسف: يونس، رويت فيه هذه اللغات الثلاث ولا يقال هو عربى لأنه في لغتين منها بوزن المضارع من آنس وأونس. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «إذا قيل: من الكريم؟ فقولوا: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».
{يا أَبَتِ} قرئ بالحركات الثلاث.
فإن قلت: ما هذه التاء؟ قلت: تاء تأنيث وقعت عوضًا من ياء الإضافة، والدليل على أنها تاء تأنيث قلبها هاء في الوقف. فإن قلت: كيف جاز إلحاق تاء التأنيث بالمذكر؟ قلت: كما جاز نحو قولك: حمامة ذكر، وشاة ذكر، ورجل ربعة، وغلام يفعة. فإن قلت: فلم ساغ تعويض تاء التأنيث من ياء الإضافة؟ قلت: لأنَّ التأنيث والإضافة يتناسبان في أنّ كل واحد منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره. فإن قلت: فما هذه الكسرة؟ قلت: هي الكسرة التي كانت قبل الياء في قولك: يا أبى، قد زحلقت إلى التاء، لاقتضاء تاء التأنيث أن يكون ما قبلها مفتوحا: فإن قلت: فما بال الكسرة لم تسقط بالفتحة التي اقتضتها التاء وتبقى التاء ساكنة؟ قلت: امتنع ذلك فيها، لأنها اسم، والأسماء حقها التحريك لأصالتها في الإعراب، وإنما جاز تسكين الياء وأصلها أن تحرّك تخفيفًا، لأنها حرف لين. وأما التاء فحرف صحيح نحو كاف الضمير، فلزم تحريكها. فإن قلت: يشبه الجمع بين التاء وبين هذه الكسرة الجمع بين العوض والمعوّض منه، لأنها في حكم الياء، إذا قلت: يا غلام، فكما لا يجوز (يا أبتى) لا يجوز (يا أبت). قلت الياء والكسرة قبلها شيئان والتاء عوض من أحد الشيئين، وهو الياء والكسرة غير متعرض لها، فلا يجمع بين العوض والمعوض منه، إلا إذا جمع بين التاء والياء لا غير. ألا ترى إلى قولهم (يا أبتا) مع كون الألف فيه بدلا من التاء، كيف جاز الجمع بينها وبين التاء، ولم يعد ذلك جمعًا بين العوض والمعوّض منه، فالكسرة أبعد من ذلك. فإن قلت: فقد دلت الكسرة في يا غلام على الإضافة، لأنها قرينة الياء ولصيقتها. فإن دلت على مثل ذلك في {يا أبت} فالتاء المعوّضة لغو: وجودها كعدمها.
قلت: بل حالها مع التاء كحالها مع الياء إذا قلت يا أبى. فإن قلت: فما وجه من قرأ بفتح التاء وضمها؟ قلت: أما من فتح فقد حذف الألف من {يا أبتا} واستبقى الفتحة قبلها، كما فعل من حذف الياء في (يا غلام) ويجوز أن يقال: حركها بحركة الباء المعوض منها في قولك (يا أبى).
وأما من ضم فقد رأى اسمًا في آخره تاء تأنيث، فأجراه مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء فقال:
(يا أبت) كما تقول (يا تبة) من غير اعتبار لكونها عوضا من ياء الاضافة.